من هنا مرَّ ثوار سبتمبر، وأكتوبر، بخطى واثقة ، وسُكون تعدى حُـدود الصمت، وربـاطة جأش اجتـازت جدار الخـوف، في ذلك الدار العتيق حلوا، وخلف جدرانه المُكتومة تهامسوا، وخططوا، وقرروا، تعلموا من تعز معاني التضحية والفداء، من هواها العليل تنفسوا عبق الحرية، ومن نداها العذب ارتشفوا ماء المحبة، ومن دمعها الغزير ذاقوا طعم الصبر، ومن طموحات أبنائها استشرفوا الغد المُشرق، وتحت شلالات ضوئها المُنسكب صاغوا قرارهم الأول، وفي طبيعتها الساحرة، ومآثرها العريقة، تأملوا وجه اليمن البهي، النقي، الخالي من ملوثات الحضارة، وأدران الحياة، وعلى وقع نغمات هديلها أيوب، سحقوا الباغي، دكوا الظلم، جاؤوا بالمحالِ. غادر الأحرار تعز، ولم تغادرها روح ثورتهم، وحين كادت الجمهورية التي أسسوها وعمدوها بدمائهم وتضحياتهم أن تسقط في وحل الإمامة، ومُستنقع النكران، تولت الحالمة مهمة الدفاع عنها، بكل ما أوتيت من وطنية، أعادت لها وهجها، وعنفوانها، وحولت مسار حياة أعدائها إلى كوابيس، انكسروا تحت أسوار مقاومتها المنيعة، ذاقوا وبال غضبها، أصلتهم بنار صبرها، وجرعتهم كؤوس المنون. حسب أدبيات الأحرار الأوائل، كان من المُقرر أن تكون تعز مُنطلق الثورة، إلا أن مَرض الطاغية أحمد حميد الدين أجل ذلك، وحين تحقق موته، لفظت تعز جثمانه، وشهدت صنعاء مقر ابنه محمد البدر تفاصيل تلك البداية، وبما أن تعز هي الأصالة والأصل، فقد كانت وما زالت خير داعم وسند للثورة السبتمبرية، الثورة التي خذلها كثيرون ذات سبتمبر. بالأمس أوجد الأئمة السلاليون المُبررات الدينية الدنيئة لاستباحة دماء وأموال أبناء المناطق الوسطى والغربية والجنوبية، كفّروهم بالجملة، واتهموهم بالعمالة، واللافت في الأمر أن ذات التهم والمُبررات كررها الإماميون الجدد في حق أحفادهم، مع اختلاف بسيط في التشبيه والتسمية، فـ (كفار التأويل) أصبحوا تكفيريين، ودواعش، و(إخوان النصارى) اصبحوا عملاء لإسرائيل، وأمريكا، والسنغال! بتعالٍ فج، ونشوة بردقان عابرة، عبر الإماميون الجدد إلى محرقتهم، إلى حتفهم، حسبوا أن تعز سهلة المنال، ولقمة سائغة، وفاتهم أن أبناءها لم يعودوا رعية الأمس، حاملو المحراث، لقد تسلحوا بالعلم والمعرفة، وتفننوا في ترويض البندقية، كما تفننوا في ترويض القلم، أجادوا فن تصويبها فوق رؤوس الإماميين، دفاعاً عن الأرض والعرض، وبات النصر خيارهم الوحيد. تعاملت مليشيات الحوثيين مع محافظة تعز بعداء منقطع النظير، فرغم أنه تم طرد المليشيات الحوثية من عدة محافظات منذ بدء الحرب، وطردها من أجزاء كبيرة من محافظات أخرى، وتكبدها خسائر فادحة في مختلف الجبهات، إلا أن عداءها لتعز لم يتكرر إزاء أي محافظة أخرى باستثناء محافظة مأرب، ويعني ذلك العداء أن المليشيات الحوثية موجوعة من مارب و تعز أكثر من وجعها من أي محافظة أخرى، لدرجة أنها تحرض على القتال ضدهما في المساجد وفي الدورات الطائفية لمقاتليها، كانت مليشيات الحوثيين تنظر لمحافظة تعز في بداية الانقلاب على أنها الهدف الأسهل والسيطرة عليها ستكون بدون إطلاق رصاصة واحدة، خصوصا أن تعز كانت مطوقة بألوية ، وتتواجد داخلها قوات أمنية ومعسكرات أخرى وكان هناك اعتقاد لدى الحوثيين أن تعز يمكن السيطرة عليها بـ"طقم" عسكري واحد فقط، نظرا لمدنيتها وسلميتها وعدم انتشار ثقافة القتل وحمل السلاح فيها. وبعد السيطرة على العاصمة صنعاء، كان الهدف التالي هو السيطرة على محافظة تعز، وعندما واجهت مليشيات الحوثيين المظاهرات السلمية الرافضة للانقلاب بالرصاص الحي، حمل أحرار المحافظة السلاح وأعلنوا الحرب دفاعا عن كرامتهم وحريتهم ورفضا للانقلاب على السلطة الشرعية.
في الفترة من (مارس 2020 إلى فبراير 2021) رصدت الثورة نت مقتل 12 شيخاً قبلياً على يد مليشيا الحوثي، ما تم رصده من تلك الجرائم ليست إلا البعض مما أثار غضب المجتمع وتجاوز حالة التعتيم التي تفرضها المليشيا بمناطق سيطرتها إلى الإعلام، ناهيك عن جرائم التصفيات الغامضة التي تنفذها أجهزتها الأمنية المعقّدة ومنها ما يحدث في الجبهات. قتل وانتهاك حرمات دأبت مليشيا الحوثي على إذلال شيوخ القبائل أمام أبناء القبيلة من خلال اقتحام القرية أو الحي الذي يسكنونه بعدد من الأطقم التي تحمل على متنها عشرات المسلحين، ومن ثم مداهمة منزل الشيخ وإهانته وقتله أمام أطفاله ونسائه، وأحياناً يقومون باختطاف أشخاص من أقاربه. ففي مارس 2020، أقدم مسلحون على مداهمة منزل شيخ منطقة بيت بوس "أكرم حيدرة" الكائن في الحي ذاته (بيت بوس)، وقاموا بقتله أمام أسرته، وينتمي الشيخ "حيدرة" إلى قبيلة بني مطر ويعد واحداً من وجهائها البارزين. وفي أكتوبر ٢٠٢٠، أقدم مسلحون من مليشيا الحوثي على اقتحام منزل الشيخ "غانم الهتار" في منطقة "العموقين" بمديرية السياني، جنوبي إب، وقاموا بقتله أمام أسرته، واختطاف جثته، واختطاف شخصين من أسرته. وفي محافظة صعدة، شنّت مليشيا الحوثي في (ديسمبر ٢٠٢٠) هجوماً مسلّحاً على قبيلة بني خولي التابعة لمديرية منبه الحدودية مع المملكة العربية السعودية، وفرضت حصارًا مطبقًا على القبيلة من كل الجهات، قبل أن تقوم بقتل شيخ القبيلة سلمان مانع الجلحوي، وأخرين من أبناء قبيلته، ومن ثم تفجير عدد من المنازل في المنطقة ونهب الممتلكات الخاصة. في 21 فبراير 2021، أقدم مسلحون حوثيون بقيادة القيادي الحوثي المدعو، أبو خالد الراعي، على اقتحام منزل الشيخ القبلي علي حزام أبو نشطان في صنعاء، وقاموا بقتله مع 3 من أولاده وشقيقته، وأصابوا زوجته بجروح خطيرة. تصفيات أثناء الوساطة كان لافتاً في 2020، حدوث جرائم غدر تعرض لها مشائخ قبليون أثناء قيامهم بدور الوساطة لحلحلة مشاكل وقضايا بين قبائلهم، انتهت إما بمقتل اولئك المشايخ أو قتل ذويهم، ضمن مساعي المليشيا لإفشال مساعي السلام وتثبيت حالة الفوضى والانفلات الأمني ففي أبريل 2020، تم تصفية الشيخ القبلي حميد راجح، أحد مشائخ منطقة الأهنوم، بمحافظة عمران، في عملية استهداف غادرة، أثناء قيامه بمساعي صلح، بين متخاصمين على قطعة أرض بمنطقة "جدر" التابعة شمال صنعاء. وفي يوليو 2020، قُتل الشيخ القبلي البارز صالح أحمد صالح فقعس، أحد أبرز مشايخ الحداء، أثناء محاولته إيقاف حرب مسلحة اندلعت بين قبيلته "كومان سنامة "وقبيلة "سبله بني بخيت" بمديرية الحدا، حيث تجددت هذه الحرب رغم أن القبيلتين كانتا في صلح مضى على توقيعه وتنفيذه 4 سنوات.
بانوراما تاريخية يمنية تضع النقاط على الحروف، وتقدم التاريخ اليمني لأبناء اليمن وكل محبيه ودارسيه، بأسلوب متفرد يجمع بين المعلومة والدلالة، الصوت والصورة والرقم، وفقا لأدق مصادر التاريخ،
وأرقى معايير الإعلام الجديد، أملاً في بلورة وعي جمعي بحقائق الأمس وشواهد اليوم، استنقاذاً للحاضر وفتح نوافذ المستقبل
يعدها ويقدمها عبدالله اسماعيل
https://www.youtube.com/watch?v=w1Q__RNxX54&t=328s
يعاد بث حلقات بالمسند عبر شبكة إمتنان لانتاج البودكاست
https://anchor.fm/s/252933b0/podcast/rss