النص: "أنا كلمة تقولها الطبيعة ثم تستردها وتخفيها في قلبها ثم تقولها، أنا نجم هبط من الخيمة الزرقاء على بساط أخضر، أنا ابنة العناصر التي حبل بها الشتاء وتمخَّض بها الربيع ورباها الصيف ونومها الخريف، أنا هدية المحبين، أنا إكليل العرس، أنا آخر عطية من حي إلى ميت، عند الصباح أتعاون والنسيم على إعلان مجيء النور، وفي المساء أشترك مع الطيور بوادعة، أتمايل في السهول فأزينها، وأتنفس في الهواء فأعطره، أضم الكرى فترمقني عيون الليل العديدة، وأطلب اليقظة لأحدق بعين النهار الوحيدة، أنا أشرب خمرة الندى، وأسمع أغاني الشحارير، وأرقص على تصفيق الأعشاب، أنا أنظر إلى العلو دائمًا كي أرى النور ولا أرى خيالي، وهذه حكمة لم يتعلمها الإنسان بعد."
أنشودة الزهرة من كتاب: دمعة وابتسامة للكاتب اللبناني جبران خليل جبران.
النص:
"بُرْتُقَالّيةً، تدخلُ الشمس في البحرِ /
والبرتقالةُ قنديلُ ماءٍ على شَجَرٍ باردٍ
برتقاليةً، تَلِدُ الشمسُ طفلَ الغروب الإلهيَّ /
والبرتقالةُ,إحدى وصيفاتها، تتأمَّلُ مجهولها
برتقاليةً, تسكب الشمسُ سائلها في فم البحرِ
والبرتقالةُ خائفة من فمٍ جائعٍ
برتقاليةً، تدخل الشمسُ في دورة الأبديّةِ /
والبرتقالةُ تحظى بتمجيد قاتِلِها:
تلك فاكهةٌ مثل حَبَّة شمسٍ
تُقَشَّرُ باليد والفمِ، مَبْحُوحَةُ الطعمِ
ثرثارةُ العطر سكري بسائلها...
لونها لا شبيهَ له غيرها،
لونها صِفَةُ الشمس في نومها
لونها طعمها: حامضٌ سُكَّريٌّ،
غنيٌّ بعافية الضوء والفيتامين c..
وليس على الشعر من حَرَجٍ إنْ
تلعثم في سَرْدِهِ، وانتبهْ
إلى خَلَلٍ رائعٍ في الشَّبَهْ!"
قصيدة: برتقالية للشاعر الفلسطيني محمود درويش.
النص:
"تنبثق الأرض من الأرض كَرهًا وقسرًا.
ثم تسير الأرض فوق الأرض تيهًا وكبرًا.
وتقيم الأرض من الأرض القصور والبروج والهياكل.
وتنشِئ الأرض في الأرض الأساطير والتعاليم والشرائع.
ثم تمل الأرض أعمال الأرض فتحوك من هالات الأرض الأشباح والأوهام والأحلام.
ثم يراود نعاس الأرض أجفان الأرض فتنام نومًا هادئًا عميقًا أبديًّا.
ثم تنادي الأرض قائلة للأرض: أنا الرحم، وأنا القبر وسأبقى رحمًا وقبرًا حتى تضمحل الكواكب وتتحول الشمس إلى رماد."
من كتاب: البدائع والطرائف للأديب اللبناني جبران خليل جبران.
النص:
"لا نحمله في قلائد تتدلى على صدورنا
ولا نبكي عليه في القصائد.
لا يوقظنا من نومنا المرير
ولا يبدو لنا مثل عدن الموعودة.
في قلوبنا لا نحاول جعله
موضوعاً لشجار الصفقات.
حين نمرض أو نحزن أو نسقط فوقه منهكين
نعجز حتى عن رؤيته أو معرفته.
نعم، هذا الوحل على الأقدام يناسبنا تماماً.
نعم، هذا الطحن على الأسنان يناسبنا حقاً.
نعم، ندوسه ليل نهار..
هذا الغبار الخالص الذي لا يصلح للبناء.
لكننا نرقد فيه ولا نصير إلاه
ولهذا نسمي هذا التراب.. ترابنا!"
قصيدة ترابنا - آنا أخماتوفا
النص:
"لقد كانت الأشجار بالنسبة لي على الدوام الواعظ الأشد نفاذاً وتأثيراً اني لأبجلها وهي تعيش في قـبـائـل أو مجموعات أسرية، في الغابات والبساتين، ويزداد تبجيلي لها في وقوفها منفردة. إنها أشبه ما تكون بالأشخاص المتوحدين، ولا أقصد النساك الهاربين من ضعفهم، بل العظماء المعتزلين من البشر، أمثال بيتهوفن ونيتشه. في أغصانها الأعلى سموقاً يندفع حفيف العالم، بينا تضرب جذورها في اللانهائي. بيد أنها رافضة وقوفها العاجز هناك، تناضل بكل ما في حياتها من عزيمة وقوة لبلوغ هدف واحد: أن تحقق ذاتهـا وفق قانونها، أن تبني شكلها الخاص، أن تعلن عن وجودها. وما ثمة أقدس ولا أجدر بالاقتداء، من شجرة حازت الجمال والقوة. حين تقطع شجرة، وينكشف جرحهـا المميت للشمس، فإن في ميسور المرء أن يقرأ بـجـلاء تاريخهـا كله منقـوشـاً في مقطع جذعهـا: في الحلقات الدالة على أعوام عمرها، في ندوبها، كل الصراعات والآلام، كل الأمراض، كل الهناءات والـرخـاءات، منقوشة هناك بأمانة ودقة ، سنوات الضيق، وسنوات البحبوحة ، الصمود أمام الهجمات، والثبات في وجه العواصف وما من صبي في القرية إلا ويعرف أن الخشب الأقسى والأنبل هو ذاك المتميز بحلقاته الأضيق، وأن في متن الجبال وحسب، ووسط الأخطار المتلاحقة تنبت الأشجار المثالية ، الأشجار الأشد بأسا ومنعة.
الأشجار معـابـد قدسية، من يعرف كيف يكلمها، من يعرف كيف يصغي إليها، يمكنه تعلم الحقيقة. إنها لا تعظ بإلقاء التعاليم والوصايا، ولكنها تبشر، غير معنية بالتفاصيل، بالقانون الأقدم للحياة.
تقول الشجرة : النواة مخبوءة في، والشرارة، والفكرة، أنا حياة مقبـوسـة من الحياة الأبدية. فريدة محاولة الأم الأبدية ومغامرتها في صنعي، فريد شـكـل وعـروق جلدي، فريدة أقـل نامة تصدر عن أوراق أغصاني، وأصغر ندبة على لحائي، لقد كونت ليتبدى الأبدي في أدق تفاصيلي وأشدها خصوصية .
تقول الشجـرة: قوتي تكمن في ثقتي، لست أعرف شيئاً عن آبائي ، ولا أعرف شيئا عن آلاف الأبناء الذين ينبثقون مني كل عام. إنني أحيا بالسر المودع في بذرتي حتى أبلغ النهاية، وما من شيء آخر يعنيني. إني أثق بأن الله في داخلي، وأثق بقدسية عملي،
وبهذه الثقة ومن خلالها أحيا.
حين تشتد وطأة البلوى علينا، ولا يعود لنا من القدرة ما يجعلنا نحتمل المزيد من الحياة، فإن لدى الشجرة ما تقوله لنا: إهدؤوا! إهدؤوا! انظروا إليّ! الحياة ليست سهلة، وليست صعبة كذلك. تلك أفكار صبيانية وسخيفة. دعوا الله يلق كلمته فيكم، وستنمو
أفكاركم في صمت. إن ما يضنيكم هو أن دروبكم تقودكم بعيداً عن الأم والوطن. ولكن كل خطوة تخطونها وكل يوم يمر عليكم يعود بكم ثانية الى حيث الأم. ليس الوطن هنـا ولا هناك، إنه في داخلكم أو لا وجود له البتة .
يمزق قلبي التوق إلى التجوال كلما تناهى إلى سمعي حفيف الأشجار وهي تحتك بالنسائم المسائية. لو ان أحدا أطال الإتصات بصمت إليها لتجلى توقه ذاك عن جوهره ومعناه. فهو ليس هروباً مما يقاسيه المرء، على الرغم من أنه يبدو كذلك. بل هو شوق إلى الوطن، وإحياء لذكرى الأم، وبحث عن مجازات جديدة للحياة. إنه توق يقود الوطن. كل الدروب تؤدي إلى الوطن، كل خطوة ولادة، كل خطوة موت، وكل قبر أم.
وهكذا تتـابـع الأشجار حفيفها في المساء، بينما نقف نحن باضطراب أمام أفكارنا الحمقاء، للأشجار أفكار مديدة، ولها نفسها الطويل والهاديء، تماما كما ان لها أعماراً أطول من أعمارنا. إنها أكثر حكمة منا، ما دمنا لا نلقي سمعنا إليها، ولكن عندما نتعلم كيف نصغي إلى الأشجار، فإن الإيجاز والعجلة والطيش الطفولي لأفكارنا تحرز متعة لا تضاهى، ومن تعلم كيف يصغي إلى الأشجار لا يعود يبتغي أن يكون ما هو عليه. ذلكم هو الوطن. تلكم هي السعادة."
من كتاب: تجوال للأديب الألماني هيرمان هيسه.
النص: "أذكر ذات صباح، أني اكتشفت شرنقة في قشرة شجرة، وفي لحظة كانت الفراشة تكسر جدارها وتستعد للخروج منها. انتظرت طويلا لكن الفراشة تأخرت في الخروج. وبعصبية،لا. وبعصبية ، انحنيت عليها وأخذت أدفئها بحرارة زفيري وأنا فاقد الصبر . فبدأت المعجزة تحدث أمامي، ولكن بنمط أسرع من النمط الطبيعي. وتفتحت القشرة وخرجت الفراشة وهي تزحف. لن أنسى فظاعة ما رأيته حينذاك: لم يكن جناحاها قد افترقا، وكانت جميع أجزاء جسمها الصغير ترتجف، والفراشة تجهد في فتح جناحيها. فانحنيت فوقها وحاولت مساعدتها بنفسي ولكن بدون جدوى. كانت تحتاج إلى نضوج صبور، وفتح الأجنحة يحتاج إلى دفء الشمس ليتم ببطء. ولكن الأوان قد فات الآن. لقد أجبر تنفسي الفراشة على الخروج من الشرنقة وهي ترتعش، قبل موعد نضوجها. كانت تهتز فاقدة الأمل. وبعد ثواني، ماتت وهي في راحة يدي."
النص:
"الشجرة أخت الشجرة، أو جارتها الطيّبة.
الكبيرة تحنو على الصغيرة، وتُمدُّها بما ينقصها
من ظلّ. والطويلة تحنو على القصيرة،
وترسل اليها طائراً يؤنسها في الليل. لا
شجرة تسطو على ثمرة شجرة أخرى، وإن
كانت عاقراً لا تسخر منها. ولم تقتل
شجرةٌ شجرةً ولم تقلِّد حَطّاباً. حين صارت
زورقاً تعلَّمت السباحة. وحين صارت
باباً واصلت المحافظة على الأسرار. وحين صارت
مقعداً لم تنسَ سماءها السابقة.
وحين صارت طاولة عَلَّمت الشاعر أن لا
يكون حطاباً. الشجرة مَغْفَرةٌ وسهَرٌ.
لا تنام ولا تحلم. لكنها تُؤتمنُ على أسرار
الحالمين، تقف على ساقها في الليل والنهار.
تقف احتراماً للعابرين وللسماء. الشجرة
صلاة واقفة. تبتهل الى فوق. وحين
تنحني قليلاً للعاصفة، تنحني بجلال راهبة
وتتطلع الى فوق... الى فوق. وقديماً قال
الشاعر: «ليت الفتى حجر». وليته قال:
ليت الفتى شجرة!"
مصدر الصورة:
https://www.pinterest.com/pin/520728775648220540/