قال ابن جرير: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) يعني: اللطيف بعباده. وقال الزجاج بعد أنْ ذكر معنى (البر) لغة: والله تعالى بَرٌّ بخَلقه؛ في معنى: أنه يُحْسنُ إليهم، ويُصْلح أحْوالهم. وقال الخطابي: (البَرُّ) هو العَطوفُ على عباده، المحسنُ إليهم، عمَّ ببره جميعَ خَلْقه، فلم يَبْخَلْ عليهم برزقه. وهو البرُّ بالمُحْسن؛ في مُضاعفته الثواب له، والبرُّ بالمسيء؛ في الصَّفْح والتجاوُز عنه
وقال الحليمي: (البَرُّ) ومعناه الرفيق بعباده، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، ويعفو عن كثير من سيئاتهم، ولا يُؤاخذهم بجميع جناياتهم، ويجزيهم بالحَسَنة عشر أمثالها، ولا يجزيهم بالسيئة إلا مثلَها، ويكتب لهم الهَمَّ بالحسنة، ولا يكتب عليهم الهمَّ بالسيئة
الأكرم” فقال الخطابي: هو أكرم الأكرمين، لا يوازيه كريم، ولا يعادله نظير، وقد يكون”الأكرم” بمعنى: الكريم، كما جاء: الأعزُّ والأطول، بمعنى العزيز والطويل. قال القرطبي: إنَّ”الأكرم” الوصف الذاتي و”الكريم” الوصف الفعلي وهما مُشتقان من الكرم، وإنْ اختلفا في الصيغة
وقال الحليمي: معنى” الحَكم”: وهو الذي إليه الحُكم، وأصل الحُكْم منع الفساد، وشرائع الله تعالى كلّها اسْتصلاح العباد.
• أيهما أبلغ الحَكَم أو الحاكم: قيل: إنّ الحَكَم أبْلغ من الحَاكم، إذْ لا يَسْتحق التَّسمية بحَكَم؛ إلا مَنْ يَحْكم بالحقّ، لأنها صفةُ تعظيمٍ في مَدْحٍ، والحَاكم جارية على الفِعل، فقد يُسمّى بها مَنْ يَحكم بغير الحقّ
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (أفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً) (الأنعام: 114): قل فليس لي أنْ أتعدّى حُكْمه وأتجاوزه، لأنه لا حَكَم أعْدل منه، ولا قائل أصْدق منه
قال القاضي عياض : الطيِّب في صفة الله تعالى بمعنى : المُنزَّه عن النقائص ، وهو بمعنى القدوس ، وأصل الطيب : الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث .
وفي تحفة الأحوذي : ومعنى الحديث أنه تعالى منزهٌ عن العيوب ، فلا يَقبل ولا ينبغي أن يُتقرَّب إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى ، وهو خيار أموالكم الحلال .
والسَّيِّدُ على الإطلاقِ هو اللهُ؛ لأنهُ مالكُ الخلْقِ أَجمعين، ولا مالكَ لهم سِوَاهُ.
والسَّيِّدُ سُبحانَهُ وهو الذي حَقَّتْ له السِّيادةُ المطلقَةُ، فالخلْقُ كلُّهم عبيدُه وهو ربُّهم، وهو الذي يَمْلِكُ نواصِيَهم ويتولَّاهُمْ، وهو المالِكُ الكريمُ الحليمُ الذي يملِكُ نواصِيهم ويتولَّى أمرَهُم ويَسُوسُهم إلى صلاحِهم
قال ابنُ القيمِ: «وأما وَصْفُ الرَّبِّ تعالى بأنه السَّيِّدُ فذلك وَصْفٌ لربِّهِ على الإطلاقِ فإِنَّ سَيِّدَ الخلْقِ هو مَالِكُ أمرِهِمُ؛ الذي إليه يرجعون، وبأمرِه يعملون، وعن قولِه يَصْدُرونَ، فإذا كانتِ الملائكةُ والإنسُ والجِنُّ إليه؛ خَلْقًا له سبحانه وتعالى، ومِلْكًا له، ليس لهم غِنًى عنه طرفةَ عينٍ، وكلُّ رغباتِهم إليه، وكلُّ حوائجِهم إليه، كان هو سبحانه وتعالى السَّيِّدَ على الحقيقةِ»
قال الزجاج: قال أهل اللغة: إن المُقيتَ المقتدر على الشيء. وكذا قال الزجاجي. وفي اللسان: قال الزجاج: إن”المقيت” بمعنى الحَافظ والحفيظ، لأنه مشتقٌ من القوت، أي: مأخوذ من قولهم: قتُّ الرجل أقوته، إذا حفظتَ نفسه بما يقوته، والقُوت: اسم الشيء الذي يحفظ نفسه.
اسم "الكفيل" من أسماء الله الحسنى؛ فهو -سبحانه وتعالى- الكفيل بأرزاق خلقه، وآجالهم، وإنشائهم، ومآلهم.
قال القرطبي بعد أن بيَّن المعنى اللغوي للاسم : ولله تعالى من ذلك ما يليق بجلاله سبحانه .
فهو الرفيق : أي الكثير الرفق ، وهو اللِّين وهو التسهيل ، وضده العنف والتشديد والتصعيب .
وقد يجيء الرفق بمعنى : الإرفاق ، وهو إعطاء ما يرتفق به ، وهو قول أبي زيد . وكلاهما صحيحٌ في حقِّ الله تعالى .
إذْ هو الميسر والمسهِّل لأسباب الخير كلها ، والمعطي لها و أعظمها : تيسير القرآن للحفظ ، ولولا ما قال ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾ ( القمر : 17 ) ما قَدِرَ على حفظه أحد ، فلا تيسير إلا بتيسيره ، ولا منفعةَ إلابإعطائه وتقديره .
وقد يجيئ الرفق أيضاً بمعنى : التَّمهل في الأمور والتأني فيها ، يقال منه : وقفتُ الدابة ارفها رفقاً ، إذا شددت عَضُدها بحبلٍ لتبطئ في مشيها
ذكر الحليمي أن الشافي هو الذي يشفي الصدور من الشبه والشكوك ، ومن الحسد والغلول ، والأبدان من الأمراض والآفات ، لا يقدر على ذلك غيره ولا يدعى بهذا الاسم سواه سبحانه وتعالى.
والشافي من أسماء الله سبحانه وتعالى، دالٌّ على القدرة الإلهيّة في علاج ما تشتكيه النفوس والقلوب من الأمراض، وما تشتكيه الأبدان من الآفات، وبهذا المعنى جاء من قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (الله الطبيب) أخرجه أبو داود والنسائي، والمقصود أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يُبريء ويُعافي على وجه الحقيقة
الله سبحانه وتعالى هو الكافي لجميع الخلائق ، وأما المخلوق فقد يكفي مؤونة أحد، لكنّه لا يكفي مؤونة كلّ أحد، وإذا استطاع مدّ يد المعونة فذلك لأجل معلوم ووقت محدود، أما الله فهو الكافي سبحانه لجميع الخلائق على وجه الدوام، يقول الغزالي: "الله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه، وهذا وصف لا تُتصور حقيقته لغيره، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده، ولدوام وجوده، ولكمال وجوده، وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل؛ فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء، أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء، ويدوم به وجودها، ويكمل به وجودها".
قال ابن جرير: (واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ): بمعنى جامعهم؛ فمُحلٌّ بهم عقوبته. وقال في قوله: (إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ): يقول جلَّ ثناؤه: إنَّ الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده، من الفساد والصدِّ عن سبيله، والعداوة لأهل دينه وغير ذلك من معاصي الله ، محيطٌ بجميعه حافظٌ له، لا يَعزبُ عنه شيءٌ حتى يوفّيهم جزاءهم على ذلك كلّه، ويُذيقهم عقوبته عليه. وقال في قوله: (أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ): يقول تعالى ذكره: ألا إنَّ الله بكلِّ شيءٍ مما خَلق محيطٌ علماً بجميعه؛ وقُدرته عليه، لا يعزُب عنه علمُ شيءٍ منه؛ أراده فيفوته، ولكنه المُقتدر عليه؛ العالم بمكانه
من معاني اسم الله عز وجل (الرقيب): أنه سبحانه يرقب كل شيء ويحفظه، ويعلم كل شي ظاهره وباطنه، ولا يخفى عليه من العبد سرُّه ولا علانيتُه، فلا يعزب عنه منها دقيق ولا جليل، قال الله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(يونس: 61). قال ابن كثير: "يخبر تعالى نبيه صلوات الله عليه وسلامه أنه يعلم جميع أحواله وأحوال أمته، وجميع الخلائق في كل ساعة وآنٍ ولحظة، وأنه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين".
- ومن معاني اسم الله (الرقيب): أنه عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو سبحانه المطلع على خلقه، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(المجادلة:7)
قال الشيخ السعدي: "الوكيل المتولي لتدبير خلقه بعلمه وكمال قدرته وشمول حكمته، والذي تولى أولياءه، فيسرهم لليسرى، وجنبهم العسرى، وكفاهم الأمور، فمن اتخذه وكيلاً كفاه".
وذكر الحليمي، أن الوكيل: هو الموكَّل والمفوّض إليه، علما بأن الخلق والأمر له، لا يملك أحد من دونه شيئا
اعلم أنَّ الخَلْق في كلام العرب على وجهين: أحدهما: الإنْشاء على مثالٍ أبْدعه لم يُسْبق إليه، أحْدثه بعد إذْ لم يكن. والآخر: التقدير، وخَلَق الأديم يَخْلقه خَلقاً: قدّره لما يُريد قبل القَطع؛ وقاسَه ليقطع منه مَزَادةً أو قِرْبة أو خُفَّاً. فمن الأول: قوله تعالى: (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت: 17) أي: تقدرونه وتهيئونه، وهو كذب؛ كقوله تعالى: (إنً هّذّا إلاَّ اخًتٌلاقِ)
وقال الخطابي : وأما ” المنّان ” فهو كثير العطاء .
وقال الجوهري :و “المنّان” من أسماء الله تعالى .
وقال الحليمي ومنها : “المنان” وهو عظيم المواهب ، فإنه أعطى الحياة والعقل والنطق ، وصوّر فأحسن الصور ، وأنعم فأجزل ، وأسنى النّعم ، وأكثر العطايا والمنح ، قال ــ وقوله الحق ــ : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) [إبراهيم : 34] .
وقال أبو بكر ـ هو الأنباري – وفي أسماء الله تعالى الحنّان المناّن ، أي الذي ينعم غير فاخر بالإنعام .
وقال في موضع آخر في شرح المنان : معناه : المعطي ابتداء ، ولله المنّة على عباده ، ولا منّة لأحد منهم عليه ، تعالى الله علوا كبيرا
قال السّعدي:”الشّاكر، الشَّكور”: الذي يَشْكر القليل مِنَ العمل، ويَغْفر الكثير من الزّلل، ويضاعف للمخلصين أعمالهم بغيرِ حساب، ويَشْكر الشاكرين، ويَذْكر مَنْ ذَكَره، ومَنْ تقرَّب إليه بشيءٍ مِنَ الأعمال الصالحة؛ تقرَّب الله منه أكثر.
قال القرطبي:” إنَّ للشُّكر ثلاثة أركان:
1- الإقْرار بالنِّعمة للمُنْعم.
2- والاسْتعانة بها على طَاعته.
3- وشُكر مَنْ أجْرى النِّعمة على يده؛ تَسخيراً منه إليه
قال الخطابي : الدّيان : وهو المجازي .
يقال : دنت الرجل إذا جزيته ، أدينه .
والدّين : الجزاء ، ومنه المثل : ” كما تدين تدان “
والدّيان أيضا : الحاكم ، ويقال : من ديان أرضكم ؟ أي : من الحاكم بها ؟ .
قال الحليمي : ومنها ” الدّيان ” ، أخذ من ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وهو : الحاسب والمجازي ، ولا يضع عملا ، ولكنه يجزي باخير خيرا ، وبالشّر شرّا .
قال ابن الأثير : في أسماء الله تعالى ” الدّيان ” قيل : هو القهّار .
وقيل : هو الحاكم القاضي .
وهو فعّال ، من : دان الناس أي قهرهم على الطاعة .
يقال : دنتهم فدانوا ، أي : قهرتهم فأطاعوا .
قال الخطابي:”القهار”: هو الذي قهر الجبابرة؛ من عُتاة خَلْقه بالعقوبة؛ وقَهر الخلق كُلِّهم بالموت.
وقال الزجاج: والله تعالى قَهَر المعاندين، بما أقامَ من الآيات والدلالات على وحْدانيته، وقهر جبابرة خلقه بعزّ سُلطانه، وقهرَ الخَلْق كلَّهم بالموت.
وقال الحليمي:”القاهر” ومعناه: إنه يُدّبر خَلْقه بما يريد، فيقع في ذلك ما يشقّ ويثقل؛ ويَغَم ويحزن، ويكون منه سلبُ الحياة أو نقصُ الجَوارح، فلا يستطيع أحدٌ ردَّ تدبيره، والخُروج من تقديره. وقال في”القهار”: أنْ يقهر ولا يُقهر بحال
الرزاق: هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًا دون عدو، وما من موجود في العالم العلوي أو السفلي إلا متمتع برزقه مغمور بكرمه، يوصل الرزق إلى محتاجه بسبب وبغير سبب ، وبطلب وبغير طلب.
ومما ذكره الإمام البيهقي تفسيراً لاسم (الرزاق) قوله: " المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواما إلا به, والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم لئلا ينغص عليهم لذة الحياة بتأخره عنهم, ولا يفقدوها أصلا لفقدهم إياه".
إن على المؤمن باسمي الله القابض والباسط واجبات متعددة منها:
- توطين النفس على الصبر عند القبض، وعلى الشكر عند البسط، وفي كليهما الخير للعبد والسعادة له
- الحذر من أسباب قبض الصدر وضيقه من الذنوب والمعاصي
- الأخذ بأسباب انشراح الصدر وبسطه، وتجد ذلك في كل طاعة تؤديها مخلصًا لله فيها مستشعرًا الخشوع والخضوع والحاجة إليه
- طلب بسط الرزق بأسبابه الإيمانية والكونية؛ فمن أسباب بسط الرزق الإيمانية الاستغفار