
مرحبًا بكمفي حلقة جديدة من السينما التي تسكننا. اليوم نغوص في موضوع حساس، عميق، وربما شخصي جدًا: كيفتصوّر الشاشة الحب؟ وهل ما نراه في الأفلام والمسلسلات يعلّمنا كيف نحب… أميضللنا؟
منذ أول مشهدرومانسي نشاهده في طفولتنا، تبدأ فكرة الحب بالتشكل في أذهاننا. نرى النظرات،الموسيقى، اللقاءات المصادفة، ونبدأ في رسم صورة مثالية لعلاقة عاطفية لا تشوبهاشائبة. لكن الواقع؟ شيء آخر تمامًا.
في أفلام مثلTitanic أو The Notebook، يُقدَّمالحب كقوة خارقة، تتحدى الزمن والموت والظروف. جميل؟ نعم. واقعي؟ ليس دائمًا. هذهالصورة المثالية تزرع فينا توقعات غير منطقية: أن الحب يجب أن يكون دراميًا، أنالتضحية هي شرط أساسي، وأن النهاية السعيدة مضمونة.
لكن ماذايحدث عندما نصطدم بالواقع؟ عندما لا تكون العلاقة مليئة بالمفاجآت، أو عندما لانجد ذلك "الشخص الذي يفهمنا دون أن نتكلم"؟ نشعر بالخذلان، وكأننا فشلنافي تحقيق النموذج الذي زرعته الشاشة فينا.
في دراسة من Journal of Communication، وُجد أنالأشخاص الذين يشاهدون محتوى رومانسيًا بكثافة، يطوّرون توقعات غير واقعية عنالعلاقات، مثل الاعتقاد بأن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى مجهود أو تواصل رابط الدراسة.
لكن الشاشةلا تكتفي بالتضليل، بل أحيانًا تخلق ضغطًا نفسيًا. في المسلسلات، نرى شخصيات تدخلفي علاقات بسرعة، تتجاوز الخلافات بسهولة، وتعيش في انسجام دائم. أما في الواقع،فالعلاقات تحتاج إلى صبر، تفاهم، وتفاوض مستمر.
خذ مثلًامسلسل Friends، حيثالعلاقة بين "روس" و"رايتشل" تمر بتقلبات كثيرة، لكنهاتُقدَّم في إطار كوميدي خفيف. هذا يجعلنا نعتقد أن المشاكل تُحل بسهولة، وأن الحبدائمًا يعود مهما ابتعد. لكن في الحياة، ليس كل انفصال يتبعه رجوع، وليس كل خلافينتهي بضحكة.
في المقابل،هناك أعمال حاولت تقديم الحب بشكل أكثر واقعية. مثل مسلسل Normal People، الذي عرضعلاقة مليئة بالتردد، الصمت، وسوء الفهم. أو فيلم Marriage Story، الذي كشفالجانب المؤلم من الانفصال، دون أن يفقد إنسانيته.
حتى فيالسينما العربية، بدأنا نرى تحولات. من الحب المثالي في أفلام الأبيض والأسود، إلىعلاقات أكثر تعقيدًا في أعمال مثل هيبتا أو أصحاب ولا أعز. هذه الأعماللا تكتفي بالرومانسية، بل تطرح أسئلة: هل الحب وحده يكفي؟ هل يمكن أن نحب ونؤذي فيالوقت نفسه؟
وهنا يأتيدورنا كمشاهدين. هل نستهلك هذه القصص كواقع؟ أم نراها كخيال؟ هل نسمح لها بأن تحددمعاييرنا؟ أم نعيد صياغة مفهوم الحب بما يناسبنا نحن؟
الحب ليسمشهدًا، بل رحلة. ليس موسيقى تصويرية، بل حوار مستمر. والشاشة، رغم جمالها، ليستمرجعًا نهائيًا. فلنحب بوعي، لا بوهم. ولنبحث عن علاقات تشبهنا، لا تشبه الأفلام.
في الحلقةالقادمة من السينما التي تسكننا، سنتحدث عن العنف في الشاشة: كيف يُبرَّر؟كيف يُجمَّل؟ وكيف يؤثر على سلوكنا؟ فابقوا معنا.