All content for سيف الله حسين الرواشدة is the property of سيف الله and is served directly from their servers
with no modification, redirects, or rehosting. The podcast is not affiliated with or endorsed by Podjoint in any way.
انتشار الفقر في بلادنا وتمدده على حساب الطبقات الوسطى، كنتيجة مباشرة لأزمة الوباء وما تلاها من ضرر طال قطاعات اقتصادية واسعة، مشكلة يجب معالجتها بسرعة وكفاءة عالية، والوصفة السحرية لهذه المعضلة ولآثارها ومسبباتها تتمثل في رفع نسب النمو الاقتصادي، لكن هذا يقع في إطار السهل الممتنع، والممتنع جدًا إذا أردت.
تتحكم في رفع نسب النمو عوامل عديدة، متشابكة ومتداخلة، لدرجة اختلاط الأسباب بالنتائج فيها، فمثلا لو قلنا أن جودة التعليم سبب مباشر لرفع نسب النمو، نكون قد أهملنا أن ارتفاع مستوى الدخل هو سبب مباشر يدعو المجتمع للاستثمار في تعليم أبنائه وتجهيزهم لنيل فرص عمل أفضل مستقبلا ، وكذلك ارتفاع مستويات الناتج المحلي الإجمالي ومن بعده الإرادات الضريبية سبب في رفع قدرة الدولة على زيادة موازنة التعليم ورفع كفاءة منتجاته ومرافقه، وهذا الارتفاع يحتاج الي بنية تحتية تستطيع خدمة المرافق الصناعية وتسهيل الخدمات اللوجستية للتجارة الإقليمية والعالمية، وهذا يتطلب " حوكمة " رشيدة تقدم خدمات صحية وتعليمية ومرافق عامة متقدمة، والى غير ذلك مما ستحملنا إليه لعبة السبيبة هذه، التي تقبل الاختلاف في ترتيب المسببات والنتائج.
تختلف استراتيجيات تحفيز النمو الاقتصادي، فقد لا نجد تجربة عالمية تتطابق مع أختها في كل اتساع طيف الاختلافات بين الصين والولايات المتحدة، لكن يمكن تبسيطها وتكثيفها في جملة واحدة وهي: " إعادة توزيع الموارد والقوى العاملة بأكثر الطرق كفاءة وجودة". مما يضمن لنا حركة الاقتصاد في طاقته القصوى وتحصيل أفضل الممكن بالنسبة للمتاح من الفرص والظروف.
إعادة التوزيع هذه تستلزم الكثير من العمل الممنهج وفق خطة تراعي الخصوصية الوطنية، تتضافر فيها الجهود الحكومية والأهلية، فترك التوزيع للسوق وقواه الخفية لن يحل المشكلة، ففي السوق تتعايش الشركات الفاشلة والناجحة، والتي تعاني من البطالة المقنعة والتي تفتقر الى العمالة والي السيولة لتوظيفها، هناك أيضا الأفكار المبدعة والخلاقة التي لا تجد رأس المال لاستثماراتها، كما ستجد الكثير من حسابات التوفير المتخمة والهاربة إلى رتابة الادخار المربح، كما ستجد المصانع والمؤسسات التي تعاند تحديثها وإدخال أي تكنولوجيا جديدة عليها، هذا يعني أن السوق وحده لا يستطيع فرض إعادة التوزيع التي نحتاجها لرفع معدلات النمو.
لا أحد يعلم تحديدًا لماذا ترتفع معدلات النمو ولماذا قد تتوقف عن الارتفاع فجأة؟ لكننا نعلم أن هناك دائما هامش لتحسين فرص ارتفاعها، كما أن رفعها لا يكفي فهي يجب أن ترتفع وبسرعة ويجب أن تحافظ على إيقاع ارتفاعها لفترة جيدة لنحارب الفقر والباطلة.
معدلات النمو الاقتصادي أو الإنتاج الكلي الإجمالي، وغيرها من الأرقام والنسب ليست مهمة في ذاتها بمقدار أهميتها في عكس مدى جودة حياة الأفراد، فكلما ارتفع دخل الفرد وحصته من الثروة، ارتفع الطلب ومعه القدرة الشرائية والاهتمام في التعليم والاستثمار في الصحة، واشتبك المجتمع بشكل أعمق مع قضاياه العامة، وهذا هو الهدف الحقيقي الذي لا يتحقق بطلبات شد الأحزمة وتحمل الأزمة وانتظار عبور عنق الزجاجة.